فصل: 2- الهدى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} يقبض الأرواح حين موتها، والتي لم تَمُتْ من النفوس في حال نومها، فإذا نامت فيقبض أوراحها. وقبضُ الأرواح في حال الموت بإخراج اللطيفة التي في البدن وهي الروح، ويخلق بَدَلَ الاستشعارِ والعِلْمِ الغفلَة والغيبةَ في مَحَالِّ الإِحساس والإدراك. ثم إذا قَبضَ الأرواحَ عند الموت خَلَقَ في الأجزاء الموتَ بَدَلَ الحياة، والموتُ ينافي الإحساسَ والعلمَ. وإذا ردَّ الأرواح بعد النوم إلى الأجسادِ خَلَقَ الإدراكَ في محل الاستشعار فيصير الإنسان متيقظًا، وقَبْضُ اللَّهِ الأرواحَ في حال النوم وردت به الاخبار، وذلك على مراتب؛ فإنَّ روحًا تُقْبَضُ على الطهارة تُرْفَعُ إلى العرش وتسجد لله تعالى، وتكون لها تعريفات، ومعها مخاطبات والله أعلم.
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43)} أي أنهم وإن اتخذوا على زعمهم من دون الله شفعاءَ بِحُكْمِهِمْ لا بتعريفٍ من قِبَلِ الله أو إخبار- فإِنَّ اللَّهَ تعالى لا يقبل الشفاعةَ من أحدٍ إِلاَّ إذا أَذِنَ بها، وإِنَّ الذي يقولونهْ إنما هو افتراءٌ على الله.
{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)} اشمأزَّت قلوبُ الذين جحدوا ولم تسكن نفوسُهم إلى التوحيد، وإذا ذُكِرَ الذين مِنْ دونه استأنسوا إلى سماعه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن قتيبة:

.باب اللّفظ الواحد للمعاني المختلفة:

.1- القضاء:

أصل قضى: حتم، كقول اللّه عز وجل: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} [الزمر: 42] أي حتمه عليها.
ثم يصير الحتم بمعان، كقوله: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] أي أمر، لأنه لما أمر حتم بالأمر.
وكقوله: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ} [الإسراء: 4]، أي أعلمناهم، لأنّه لمّا خبّرهم أنهم سيفسدون في الأرض، حتم بوقوع الخبر.
وقوله: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ} [فصلت: 12]، أي صنعهن.
وقوله: {فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ} [طه: 72]، أي فاصنع ما أنت صانع.
ومثله قوله: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} [يونس: 71]، أي اعملوا ما أنتم عاملون ولا تنظرون.
قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما ** داود أو صنع السّوابغ تبّع

أي صنعهما داود وتبّع.
وقال الآخر في عمر بن الخطاب، رضي اللّه عنه:
قضيت أمورا ثمّ غادرت بعدها ** بوائج في أكمامها لم تفتّق

أي عملت أعمالا، لأنّ كلّ من عمل عملا وفرغ منه فقد ختمه وقطعه. ومنه قيل للحاكم: قاض، لأنّه يقطع على الناس الأمور ويحتم. وقيل: قضي قضاؤك. أي فرغ من أمرك. وقالوا للميت: قد قضى. أي فرغ.
وهذه كلها فروع ترجع إلى أصل واحد.

.2- الهدى:

أصل هدى أرشد، كقوله: {عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ} [القصص: 22].
وقوله: {وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ} [ص: 22]، أي أرشدنا.
ثم يصير الإرشاد بمعان، كقوله: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ} [فصلت: 17]، أي بيّنا لهم.
وقوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا} [السجدة: 26]، أي أو لم يبيّن لهم.
وقوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ} [الأعراف: 100]، أي ألم يبيّن لهم.
فالإرشاد في جميع هذه بالبيان.
ومنها إرشاد بالدعاء، كقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} [الرعد: 7]، أي نبيّ يدعوهم.
وقوله: {وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا} [الأنبياء: 73]، أي يدعون، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، أي تدعو.
ومنها إرشاد بالإلهام، كقوله: {الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى} [طه: 50]، أي صورته من الإناث، ثم هدى أي ألهمه إتيان الأنثى، ويقال: طلب المرعى وتوقّى المهالك.
وقوله عز وجل: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3)} [الأعلى: 3]، أي هدى الذكر بالإلهام لإتيان الأنثى.
ومنها إرشاد بالإمضاء، كقوله: {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ} [يوسف: 52]، أي لا يمضيه ولا ينفذه، ويقال: لا يصلحه وبعض هذا قريب من بعض.

.3- الأمة:

أصل الأمة: الصّنف من الناس والجماعة، كقوله عز وجل: {كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً} أي صنفا واحدا في الضلال {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} [البقرة: 213].
وكقوله عز وجل: {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ} [الأنعام: 38]، أي: أصناف، وكل صنف من الدواب والطير مثل بني آدم في المعرفة باللّه، وطلب الغذاء. وتوقّي المهالك، والتماس الذّرء، مع أشباه لهذا كثيرة.
ثم تصير الأمّة: الحين، كقوله عز وجل: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45].
وكقوله: {وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} [هود: 8]. أي: سنين معدودة.
كأنّ الأمّة من الناس القرن ينقرضون في حين، فتقام الأمّة مقام الحين.
ثم تصير الأمّة: الإمام والرّباني، كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} [النحل: 120]. أي: إماما يقتدي به الناس، لأنه ومن اتبعه أمّة، فسمّي أمّة لأنه سبب الاجتماع.
وقد يجوز أن يكون سمّي أمّة: لأنه اجتمع عنده من خلال الخير ما يكون مثله في أمة. ومن هذا يقال: فلان أمّة وحده، أي: هو يقوم مقام أمة.
وقد تكون الأمة: جماعة العلماء، كقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104]. أي: يعلمون.
والأمّة: الدّين، قال تعالى: {إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22، 23] أي:
على دين. قال النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ** وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع؟

أي: ذو دين.
والأصل أنه يقال للقوم يجتمعون على دين واحد: أمة، فتقام الأمة مقام الدين، ولهذا قيل للمسلمين: أمّة محمد، صلّى اللّه عليه وسلم، لأنهم على أمر واحد، قال تعالى: {وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} [المؤمنون: 52]. مجتمعة على دين وشريعة.
وقال اللّه عز وجل: {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} [النحل: 93]، أي: مجتمعة على الإسلام.

.4- العهد:

الأمان: عهد، قال اللّه تعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4].
واليمين: عهد، قال اللّه تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ} [النحل: 91].
والوصية: عهد، قال اللّه تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ} [يس: 60].
والحفاظ: عهد، قال صلّى اللّه عليه وسلم: «إنّ حسن العهد من الإيمان» والزّمان: عهد، يقال: كان ذلك بعد فلان.
والعهد: الميثاق. ومنه قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام: {قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمامًا قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124] أي: لا ينال ما وعدتك من الإمامة، الظالمين من ذريتك. والوعد من اللّه: ميثاق.

.5- الإلّ:

الإلّ هو: اللّه تعالى. قال مجاهد في قوله سبحانه: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} [التوبة: 10] ويعني اللّه عز وجل. ومنه جبر إلّ في قراءة من قرأه بالتشديد.
ويقال للرحم: إلّ كما اشتق لها الرّجم من الرّحمن. وقال حسّان:
لعمرك إن إلّك في قريش ** كإلّ السّقب من رأل النّعام

أي: رحمك فيهم، وقرباك منهم.
ومن ذهب بالإلّ في قوله تعالى: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ} إِلًّا إلى الرّحم، فهو وجه حسن. كما قال الشاعر:
دعوا رحما فينا ولا يرقبونها ** وصدّت بأيديها النّساء عن الدّم

يريد: أن المشركين لم يكونوا يرقبون في قراباتهم من المسلمين رحما، وقد قال اللّه تعالى لنبيه عليه السلام: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} [الشورى: 23].
قال ابن عباس: يريد لا أسألكم على ما أتيتكم به من الهدى أجرا إلا أن تودّوني في القرابة منكم. وكانت لرسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلم، ولادات كثيرة في بطون قريش. وقال اللّه عز وجل: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128].
قال ابن عباس: قالت قريش: يسألنا أن نودّه في القرابة وهو يشتم آلهتنا ويعيبها؟! فأنزل اللّه تعالى: {قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: 47].
ويقال للعهد: إلّ، لأنّه باللّه يكون.

.6- القنوت:

القنوت: القيام.
وسئل صلّى اللّه عليه وسلم: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت» أي طول القيام.
وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجدًّا وَقائِمًا} [الزمر: 9]، أي أمن هو مصلّ، فسميت الصلاة قنوتا: لأنها بالقيام تكون.
وروي عنه، عليه السلام، أنه قال: «مثل المجاهد في سبيل اللّه كمثل القانت الصائم»، يعني المصلّي الصّائم.
ثم قيل للدعاء: قنوت، لأنّه إنما يدعو به قائما في الصلاة قبل الركوع أو بعده.
وقيل، الإمساك عن الكلام في الصلاة قنوت، لأن الإمساك عن الكلام يكون في القيام، لا يجوز لأحد أن يأتي فيه بشيء غير القرآن.
قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ} [البقرة: 238]، فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت.
ويقال: إن قانتين في هذا الوضع: مطيعين.
والقنوت: الإقرار بالعبوديّة، كقوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (26)} [الروم: 26]، أي مقرّون بعبوديته.
والقنوت: الطاعة، كقوله: {وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ} [الأحزاب: 35]، أي: المطيعين والمطيعات.
وقوله: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ} [النحل: 120]، أي مطيعا للّه.
ولا أرى أصل هذا الحرف إلا الطاعة، لأنّ جميع هذه الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغير ذلك- يكون عنها.

.7- الدّين:

الدّين: الجزاء. ومنه قوله تعالى: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 4] أي يوم الجزاء والقصاص. ومنه يقال: دنته بما صنع. أي جزيته بما صنع. وكما تدين تدان.
والدّين: الملك والسّلطان. ومنه قول الشاعر:
لئن حللت بخوّ في بني أسد ** في دين عمرو وحالت دوننا فدك

أي في سلطانه. ويقال من هذا: دنت القوم أدينهم، أي قهرتهم وأذللتهم، فدانوا أي ذلّوا وخضعوا.
والدّين للّه إنما هو من هذا. ومنه قول القطاميّ:
كانت نوار تدينك الأديانا

أي تذلّك.
ومنه قول اللّه تعالى: {وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة: 29]، أي لا يطيعونه.
والدّين: الحساب، من قوله تعالى: {مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة: 36]. ومنه قوله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النور: 25]، أي حسابهم.
8- المولى:
المولى: المعتق. والمولى: المعتق. والمولى: عصبة الرّجل. ومنه قول اللّه عز وجل: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي} [مريم: 5]. أراد: القرابات.
وقال رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلم: «أيّما امرأة نكحت بغير أمر مولاها فنكاحها باطل»، أي: بغير أمر وليها.
وقد يقال لمن تولّاه الرجل وإن لم يكن قرابة: مولى. قال تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ} [محمد: 14] أي: وليّ المؤمنين، وأن الكافرين لا ولي لهم.
وقال تعالى: {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا} [الدخان: 41]. أي: وليّ عن وليّه شيئا، إمّا بالقرابة أو بالتّولّي.
والحليف أيضا: المولى. قال النابغة الجعدي:
موالي حلف لا موالي قرابة ** ولكن قطينا يسألون الأتاويا

وقال اللّه عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] يريد: إذا دعاهم إلى أمر، ودعتهم أنفسهم إلى خلاف ذلك الأمر- كانت طاعته أولى بهم من طاعتهم لأنفسهم.